العناكب حيوانات من شعبة مفصليات الأقدام Phylum Arthropoda في صف يحمل اسمهم وهو صف العناكب Class Arachnida)). ومنها العناكب حرة المعيشة ومنها العناكب المتطفلة، وأهمها طفيليات القراد الماص للدم وحلم الجرب والتي تسمى بالأكاروسات Acarines في رتبة. (Order Acarina) أما العناكب الحرة فهي كثيرة جدا وموزعة على رتب عدة ولعل أهمها العناكب المنزلية وعناكب الحقل ومنها الأرملة السوداء في رتبة الأرانيا (Order Araneae)، ووقفتنا في هذا المقال التأملي هي مع بعض العناكب الحرة وخاصة العناكب المنزلية، وتلك التي توجد في الحقل وعلى وجه الخصوص الأرملة السوداء، وذلك من خلال التأمل في سلوكياتها الحياتية وخاصة فيما يتعلق بالتكاثر والحصول على الطعام، ولن نسهب كثيرا في شرح ذلك لأن وقفتنا هنا لتأمل ما خفي من سلوكياتها.

حيث إن أنثى العنكبوت وكما هو معلوم لدى كثير من الناس تفترس الذكر بعد عملية التزاوج، وبعد ذلك إن كانت ممن يضع البيض فإن اليرقات تفترس أمها مباشرة بعد الفقس من البيض وبعد ذلك يفترس بعضهم البعض.

وأما إذا كانت من الأنواع التي تحفظ البيض في بطنها فإنها تنفجر عندما تكون اليرقات جاهزة للخروج، وربما يكون ذلك بسبب الغازات الناتجة عن فضلات الأجنة بداخلها، حيث تخرج اليرقات وتلتهم بقايا أشلاء الأم. ومن ثم يفترس بعضهم البعض وفي كل الحالات فإن علاقة الأنثى بالذكر وعلاقة الأبناء بالأم وببعضهم البعض هي علاقات منفعة مفروضة بقوة الغريزة والسطوة والانتهازية. وهذا هو ما يجب أن نستنتجه من مفهوم البيت بلغة علم الاجتماع ومبادئ العلاقات الاجتماعية المبنية على الود والرحمة التي يدعو إليها ديننا الإسلامي الحنيف، حيث يقول جل شأنه بخصوص العنكبوت في كتابه العظيم: (وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون) العنكبوت آية 41.

وأما ما يظنه البعض من أن الشباك التي تنسجها إناث العناكب حول أماكن تواجدها بأنها بيت العنكبوت فذلك مناف للصحة تقريبا، حيث إن هذه الشباك منسوجة من خيوط حريرية واهية (على الرغم من أن هناك أبحاثا تبرهن أن هذه الخيوط الحريرة من أقوى المواد وهذا ليس مجال مقالنا هذا).

حيث إن الله سبحانه يضرب المثل بتلك الخيوط الواهية ليقرب فكرة ضعف من يعبد ويدعو غير الله ويشركهم مع الله في العبادة، بأن تلك الآلهة جميعها وجميع ما يعبد من غير الله ضعيفة وواهية، ثم يعطينا سبحانه وتعالى بأن البيت المقصود هو بيت آخر من قوله: (لو كانوا يعلمون) العنكبوت آية 41، وقد كان قصده عز وجل بالبيت الأسرة المكونة من الأب والأم والأبناء وما يربطهم من الحب والحنان ورعاية بعضهم بعضا، وليس أكل بعضهم البعض، ونشر الغدر والحقد والبغض فيما بينهم، فقد أوجب ديننا الإسلامي تراحم أفراد الأسرة بشكل خاص والمجتمع بشكل عام، حيث قال جل من قائل في كتابه العظيم في نفس سورة العنكبوت: (ووصينا الإنسان بوالديه حسنا وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون) العنكبوت آية 8، ويقول أيضا: (ومن آياته أَن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة) الروم آية 21. وكذلك يقول عز من قائل: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا) الإسراء آية 23. وقوله صلى الله عليه وسلم للرجل الذي سأله عن أولى الناس بصحبته (العناية والحب والطاعة) فقال: (أمك)، قال: ثم من؟ قال: (أمك)، قال: ثم من؟ قال: (أمك)، قال: ثم من؟ قال: (أبوك).

أما الخيوط الواهية والتي تجذب إليها الفرائس من الحشرات والمفصليات الأخرى فإنها حبائل خدع للصيد والإيقاع بالفريسة ليس إلا. والآن هل لنا من وقفة على كثير من حالات بعض الناس الذين يحتالون على أناس آخرين ويستخدمون حبائل الخدع والذين للأسف قد يكونون من الأقارب للاستيلاء على أموال آبائهم أو أمهاتهم أو إخوانهم وأخواتهم. أو من أصحاب الشركات المحتالة المرخص لها في البلاد لتوزيع سلع يحتاجها الناس ثم تقوم السيطرة على أولئك الناس من خلال ما يسمى بالصيانة والاحتكار وقطع الغيار والإكسسوارات، حتى إذا انتهى العام الأول بالتعامل معهم جاؤوا لهم بالموديلات الجديدة وهلم جرا، أو من أصحاب مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها للإيقاع بالسذج المجرورين بحبائلهم بسلب أموالهم أو تجنيدهم لإيقاع الأذية بهم وبأوطانهم.

هذا مثال من عدة أمثلة لبيت العنكبوت الذي حذرنا الله منه وضرب لنا أروع مثل لمعرفة ذلك، ألا وهو العنكبوت وبيت العنكبوت وسلوكياتها وشباكها وحبائلها فهل أنتم مبصرون؟ آمل ذلك وإلى لقاء متجدد في وقفة مع قوله تعالى: (إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها).