استخدم القرآن حشود الجراد كمثال حي ظاهر للناس وفي حياتهم العملية للدلالة والتصوير على يوم بعث الناس يوم القيامة من قبورهم، ذليلين وخائفين من شدة الهول، وانتشارهم وتزاحمهم وكثرة أعدادهم في المحشر، فقال تعالى: ?خشعا أبصارهم يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر? القمر آية (8)، وذُكر في موضع آخر بوصفه أحد جنود الله الذين يسلطهم على الكافرين في قوله تعالى: ?فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين? سورة الأعراف آية (33).

في ذكر الجراد في القرآن الكريم في الموضعين السابقين دلالة على الإعجاز القرآني في علم الحشرات، حيث تطرق سبحانه وتعالى لوصف دورة حياة وسلوكيات الجراد بشكل مبسط وموجز لأهميته العظيمة، فهو آفة زراعية تأكل الأخضر واليابس مما يزرع الناس، ويتسبب في المجاعات في كثير من بلدان العالم وخاصة في قارة إفريقيا، وعلى الرغم من ذلك فهو مفيد لكثير من الناس في بلدان أخرى. وتجدر الإشارة إلى أن الجراد يتكاثر بعد تزاوج الحشرات البالغة (الأنثى أكبر حجما من الذكر)، حيث تضع الأنثى البويضات في حفر على شكل سراديب عميقة وآمنة في التربة على بعد حوالي 10 سم تحت سطح الأرض (مثل القبور) في الأماكن المناسبة للتكاثر، وبعد فقس البيض تخرج اليرقات الصغيرة التي تشبه الحشرات البالغة ولكن بلا أجنحة، وهي منبهرة وخائفة من المجهول (كخروج البشر من الأجداث). وتعيش تلك الحشرات الصغيرة (وتسمى في بعض المناطق بالدبا) في أماكن توالدها، أما إذا كان هناك نقص في الغذاء أو عدم ملاءمة البيئة فإنها تزحف إلى أماكن أفضل حتى تتجمع من كل مكان لتكون سرباً، وتتجمع الأسراب الصغيرة الأخرى معها كذلك وتكون أسرابا أكبر، وهكذا دواليك حتى يتكون السرب الكبير جدا، وبعد نمو الأجنحة وبلوغها فإنها تبدأ بالهجرة إلى أماكن أخرى، وهكذا حتى تتجمع الأسراب وتسافر إلى أماكن أبعد، مارَّةً بمساحات كبيرة من الأراضي والغابات والمروج الخضراء والمزارع، وتعبر القارات وتأكل أعدادا كثيرة من النباتات المتنوعة الأصناف والفوائد، ولهذا فإن الجراد المهاجر في كثير من الأحيان يكون غنيا بالغذاء ومفيدا وله خاصية الدواء، حيث يقول المثل الشائع في بعض الدول العربية وفي جزيرة العرب على وجه الخصوص (إذا جاء الجراد فانثر الدواء - أي اسكبه بعيدا)، لأن الجراد مفيد غذائيا وعلاجيا حسب خبراتهم وتجاربهم المتراكمة، ومن أجل ذلك فإنهم كانوا يستبشرون بقدومه في تلك البلاد. وقد وصلني فيديو عن طريق أحد الزملاء للدكتور عبدالرحمن الداود (أستاذ مادة وقاية النبات في كلية الزراعة بجامعة الملك سعود) يصف فيه أهمية الجراد كمادة غذائية وخاصة الإناث، ونوه إلى أن هناك دولا بدأت في تصنيع مواد غذائية من الجراد.

في رأيي المتواضع إذا نجحت هذه الصناعة فإن ريعها يجب أن يوزع على كل الدول التي يمر بها الجراد كافة، مكتسحا كل محاصيلها كتعويضات لها عن المجاعات التي لحقت بهم جراء ذلك الاكتساح، من خلال خدمات وإعانات زراعية تقدمها منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو). وأما بخصوص مكافحة الجراد فإني أتساءل عن جدوى تقنية المكافحة الكيميائية الكلاسيكية التي كانت تستخدم منذ عقود عديدة خلت، وربما أصبح لدى الجراد مناعة ضد تلك المركبات، بالإضافة إلى تراكمها في البيئة وآثارها على الإنسان والحيوان والحشرات الأخرى غير المستهدفة، (وكثير منها مفيد كالنحل ودودة القز المنتجة للحرير الطبيعي). وحيث إنه يوجد للحشرات أعداء طبيعيون كالحشرات الأخرى والعناكب والديدان النيماتودية وكذلك الأوليات والبكتيريا والفطريات، فهل من الممكن استخدامها للمكافحة البيولوجية للجراد، وكذلك تطوير التكامل بين المكافحتين البيولوجية والكيميائية. أعتقد والله أعلم أنه يمكن القيام بذلك بكل سهولة إذا توفر لدينا مختبر حشري إقليمي متكامل يحتوي على أماكن لتربية الحشرات الحساسة ومعامل للتشخيص وإجراء اختبارات الحساسية، وهذا هو الذي كنت أطالب به منذ ما لا يقل عن العشرين عاما، بتواصلي مع جهات عدة معنية بمكافحة الآفات الصحية والبيئية والاقتصادية في بلادنا الغالية، أدام الله عزها، ولم أترك لهم بابا إلا طرقته، ولا يزال لدي أمل بالرد. فإنه إذا وجد مختبر حشري متكامل فسوف يساهم في تقنين استخدام المبيدات الحشرية، ولا يجب الترخيص لاستخدام أي مبيد إلا بعد اجتيازه لاختبار الحساسية لدى ذلك المختبر. أما التقنية التي ألح في التساؤل عن جدوى استخدامها في مكافحة الجراد فهي تقنية الحشرة العقيمة والتي تستخدم في مكافحة ذبابة الدودة الحلزونية. وللمهتمين بهذا الموضوع فإني أرجو التواصل معي بطرح مداخلاتهم ومرئياتهم عبر صحيفة الوطن، أو بالتواصل معنا عبر جامعة الملك فيصل.