مما لا ريب فيه أن كرة القدم، لم تعد مجرد جلدة منفوخة بالهواء يركلها أليكسيس سانشيز بقدمه أو يصدها ياسبر سيلسن بيديه، بل باتت أكبر من ذلك وذريعة لتحقيق أهداف تبتعد بمسافات عن روح التنافس والرياضة.

ولن نتكلم عمن له مطامع اقتصادية أو أجندة سياسية، ولن نتحدث عمن يقف خلف شاشات التلفاز تسعين دقيقة أو في مدرجات الملاعب، فهذا جمهور تشكلت له هويته الرياضية وأصبح له ولاء مفرط، وما يذهلك فعلاً أن يحول هذا الولاء المفرط كرة القدم من لعبة ذات بعد ثقافي وحضاري وتنافسي إلى ميدان صراع مليء بالتنابز بالألقاب وألفاظ الشتم والتجريح بعد كل مباراة.

ويعتقد البعض أن التعصب الرياضي، الذي أصبح ظاهرة ملاحظة لحبنا المفرط لأنديتنا المحلية أو الأندية العالمية، كان بفعل التدخلات الخارجية من الإعلام وغيره، بينما في تقديري أن المشكلة تكمن في أفراد الجمهور المهووس بلعبة كرة القدم ذاتهم.

إن التعصب مرض يؤثر في جسد العلاقة الاجتماعية ويحدث إرباكا في أشكال التقارب بين أفراد المجتمع، والمتعصّب يتسم غالباً بالعاطفة الشديدة غارقاً بأهوائه لا يستخدم عقله بالتفكير المنطقي، فهو في حالة التعصب لناديه أو جماعته أو أفكاره لا يرى فيما يتعصّب له إلا الإيجابيات والشيء الجميل، وفي حالة التعصّب ضد شيء مما ذكرناه، فإنه لا يرى إلا العيوب والسلبيات، وهذا يعني أن المتعصّب مصاب بـ(مرض نفسي خطير)، ولا نقصد بالضرورة أن المتعصب لا يفكر بل يفكر ويفسر الأحداث والمواقف ويحلل ويربط بينها، ولكن تفكيره منقوص لا يخرج عن دائرة الهوى والعاطفة.

 إنك حينما تناقش متعصبا لأي شيء تجده لا يحب الحوار والنقاش لأن الذي يعتقده أنه على حق وأن الآخرين على خلاف ذلك، فتجده يجادلك بطريقة غير موضوعية خارجة عن أصول الحوار والمنطق، متعجلا في أحكامه على الآخرين دون دليل أو برهان، فهو مع ما يتعصب له سواءً أكان على حق أم باطل، وهذا للأسف ما نشاهده في جمهور رياضة كرة القدم، فهو خير شاهد على مرض التعصب.

في تقديري أننا نستطيع كأفراد أو جماعات أن نتخلص من التعصب حينما نخرج من دائرة الجهل إلى سعة العلم والمعرفة، ونبتعد عن طرق الهوى ونسلك طريق العقل والمنطق والموضوعية، ومن حقك أن تكون رأيا أو وجهة نظر أو تميل إلى جماعة أو ناد أو فكرة، ولكن هذا الميل لا يخرج عن دائرة العقل والتفكير الصحيح.