تباينت الآراء حول ممارسة المرأة السعودية للرياضة، وتعددت وجهات النظر بشأن وجود أندية رياضية خاصة بها، فهناك من يرى أنها ممارسة مباحة بضوابط وشروط، مستشهدا بسباق الرسول صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها، في إشارة إلى أن الترويح عن النفس وشحنها بالطاقة، أمر مباح في الإسلام، وآخرون يرون غير ذلك، معتبرين أن السماح لـ"الرياضة النسائية" من شأنه أن يفتح الباب أمام محرمات أكبر.

 "الوطن" وفي محاولة منها لسبر أغوار هذه القضية، التقت بقائدة فريق "جدة يونايتد النسائي"، السيدة لينا المعينا، التي بدأت حديثها عن ممارسة المرأة للرياضة بقولها "لا شك أن الإسلام يعد صالحا لكل زمان ومكان، وهناك كتاب أدعو الكل إلى أن يطلع عليه اسمه "دعوة الإسلام إلى ممارسة الرياضة" من تأليف الشيخ منصور مندور، ومراجع من قبل الشيخ الدكتور عبدالله بركات، أستاذ ورئيس قسم الأديان والمذاهب بكلية الدعوة الإسلامية بجامعة الأزهر، ذكر فيه أن الرياضة سنة نبوية، مارسها الرسول صلى الله عليه وسلم وزوجاته، والرياضة في العصر النبوي كانت الفروسية، والجري، والمشي"، مضيفة "الرياضة في نظري مهمة، وليست حكرا على الرجل، على أن يكون ذلك بشروط وضوابط يحكمها، الشرع خاصة بالنسبة للمرأة".

رياضة دون اختلاط

 المعينا أوضحت أنهم في فريق "جدة يونايتد" يمارسون الرياضة "في مجمع خاص لا يوجد به اختلاط، ولدينا مصلى نسائي نؤدي فيه الصلوات جماعة، ونتحاور فيما بيننا، ونقف مع البعض في الظروف الصعبة، والتواصل بيننا ليس بالنادي فقط، فالرياضة سمو في الأخلاق وترابط اجتماعي، قبل أن تكون ترفيهاً عن النفس، وتجديداً لنشاط الدورة الدموية، وملء الفراغ، خاصة لدى الفتيات المراهقات".

قائدة "جدة يونايتد"، ترى أن ممارسة الرياضة "أفضل للفتيات المراهقات من الأسواق، والجلوس أمام الشبكة العنكبوتية، والمحادثة والجلوس لعدة ساعات، تلك التي قد تتسبب في انحراف الفتاة، خصوصاً أن المجتمع أصبح فيه الكثير من المشاكل، فهناك فتيات ونساء لديهن مشاكل نفسية واجتماعية كثيرة، تستوجب معها حتمية وجود ترفيه عن أنفسهن، بشتى أنواع الرياضة، في حدود الشرع".

ازدواجية في الموقف

 وحول بعض الأصوات المنادية بعدم فتح نواد رياضية خاصة بالنساء، قالت لينا المعينا "أستغرب لبعض المعارضين لقيام النوادي النسائية، في وقت يغضون فيه الطرف عن ممارسة المرأة للمشي بالممشى مع الرجال، فهذا أمر مضحك جدا، ويثير الاستغراب، والكل يشاهد الممشى الرياضي يكثر فيه الشباب و المراهقون والرجال، وهم يمشون بجوار النساء، أليس في هذا ازدواجية للمعايير!".

رسالة إلى العالم

 فريق "جدة يونايتد" والذي تقوده المعينا، ظهر في عدد من القنوات الفضائية الأجنبية، وهو الأمر الذي أثار حفيظة عدد من المعترضين دينيا واجتماعيا، إلا أن قائدة الفريق لها وجهة نظر، تقول "إن الإعلام السعودي سواء المرئي أو المقروء، دائما ما يحاول تحاشي أخبار ممارسة المرأة للرياضة بالمملكة، فكان أن لجأنا لبعض القنوات، سواء الـ"بي بي سي" أو "سي إن إن"، وهدفنا في ذلك لإرسال رسالة للعالم، الذي ينظر إلى المرأة السعودية بأنها مضطهده، وأنها ليست لديها هوية، ومتخلفة، بأن الأمر غير ذلك، وأنها تمارس حقوقها مثل أي امرأة في العالم، وفقا لضوابط الشريعة الإسلامية، فنحن في الفريق لدينا رسالة سامية لكشف الحقائق المغلوطة عن المرأة السعودية، في العالم الآخر".

معارضة منذ القدم

 المعينا لم تخفِ أن الأمور المتعلقة بالمرأة في السعودية لها معارضون، قائلة "الكل يذكر بداية التعليم النسائي، والمعارضة التي قوبل بها، والآن ولله الحمد هناك عالمات سعوديات، وطبيبات، ومدرسات نفتخر بهن، لهذا لم يساورني الإحباط بإيجاد نواد رياضية نسائية بالمملكة".

الأمير زف البشرى

 وتواصل المعينا حديثها لـ"الوطن" قائلة إن نائب الرئيس العام لرعاية الشباب الأمير نواف بن فيصل "أسعدنا كثيراً عندما أعلن عن توجه الرئاسة العامة لرعاية الشباب لإدخال الرياضة في مدارس البنات، ولكن الأمر على الواقع يحتاج لخطة شاملة، فلا بد من وجود أماكن خاصة بالمدرسة، وهل ستكون هناك حصة لممارسة الرياضة بالمدارس، وكيفية إيجاد مدرسات خريجات تربية بدنية، وهو أمر آخر متعلق بالرئاسة العامة لتعليم البنات, فمن الصعب أن تدرب الفتيات مدربة غير متخصصة بالمجال الرياضي".

أمراض وهشاشة عظام

 وعرجت السيدة المعينا إلى الناحية الصحية، موضحة أن هناك دراسة أظهرت أن نسبة السمنة لدى السعوديات تقارب 60%، والإصابة بالسكر وهشاشة العظام 50% لدى الفتيات، من سن الـ25 عاما، معتبرة أن هذا شيء مدهش، خصوصا في جانب هشاشة العظام، وكيف أنه يأتينا من الصغر، والعالم الآخر يصاب به في الكبر، بعد عمر الستين، وليس بعمر أصغر والسبب عدم ممارسة الرياضة، والتعرض للشمس، كما توجد هناك دراسة علمية تفيد بأن الخمول يقتل مليونين سنويا في العالم, وعليه أطالب بإيجاد نواد رياضية نسائية بالأحياء لممارسة الرياضة وفق الشريعة الإسلامية من أجل بناء مجتمع صالح فالفراغ لدى المرأة يسبب كثيرا من المشاكل الصحية والذهنية".

هذه بداياتي

 ماذا عن بداياتها الفعلية للرياضة، تجيب لينا المعينا "مارست الرياضة منذ الصغر في مدرسة دار الحنان التي تأسست قبل 50 عاماً كنا نمارس فيها الرياضة مثل كرة السلة, الطائرة، السباحة وحينها بدأت أفكر بإنشاء ناد رياضي للمرأة وتحققت الفكرة عام 2003 وكانت البداية بعائلتنا والأصدقاء إلى أن تطور الوضع وأصبح لدينا ما يقارب 150 من النساء يمارسن الرياضة بمختلف أنواعها سواء المشي أو كرة السلة أو الطائرة وهناك بنات صغيرات يمارسن الرياضة أمام أعين أمهاتهن وهن سعيدات بذلك".

الرياضة لهو مباح

 الرأي الشرعي، وموقف الدين من الرياضة النسائية، سؤال حملته "الوطن" إلى المفتش القضائي الشيخ الدكتور ناصر بن زيد بن داود حول الرأي الشرعي لرياضة النساء، الذي أوضح أن الرياضة من اللهو المباح لجميع الناس ذكوراً وإناثاً، فلا يمكن لأحد أن يحرم ما أحله الله منها ؛ قال تعالى {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ}.

 ولأن الله قد جعل للذكر طبيعة خاصة غير طبيعة الأنثى كان لا بد أن تختلف رياضات النساء عن الرجال ؛ قال تعالى {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى} .

 ولذا فمن اللازم رعاية هذا الجانب، لأن التعرض لما يُخالف الطبيعة من إلقاء النفس إلى التهلكة، وهذا من الممنوعات في الشريعة ؛ قال جل جلاله {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلى التَّهْلُكَةِ}

 ولأن الرياضات من المتغيرات المتجددات فلا يمكن حصر ما يجوز منها للمرأة وما لا يجوز لها ممارسته، غير أن الفقه الإسلامي يمكنه ضبط ذلك بضوابط يمكن تطبيقها فيما ظهر من الرياضات، وفيما يستجد منها عبر الزمن.

شروط وضوابط

 ولكن الشيخ ناصر بن زيد بن داود اشترط وجود عدة ضوابط لممارسة المرأة للرياضة تشمل ضرورة أن تكون الرياضة النسائية مما ثبت نفعه للمرأة طبياً، أما ما يُمكن أن يعود عليها بالضرر الغالب فلا يجوز لها مزاولته، وأن تكون المرأة حال ممارستها الرياضة محتشمة غير متبرجة، وكل لباس يشف عورتها أو يجسمها للرائي : فهو محرم شرعاً، وألا تُمارس الرياضة مع الرجال بحيث يُمكنهم ممارستها أو الاحتكاك بها أو الاصطدام بها أو الاطلاع منها على ما يجب عليها ستره، وفي حال إمكان حصول أي شيء من ذلك : فلا يجوز لها التعرض لتلك الرياضات حتى تزول عنها تلك المحاذير، وألا تُشغلها الرياضة عن واجباتها الأصلية ؛ من رعاية زوجها، أو أولادها، أو تعليمها، أو وظيفتها التي تقبض أجرها، وألا تزيد مدة مزاولة الرياضة عن القدر المعتاد، فكل ما زاد عن حده انقلب إلى ضده، وألا تحول الرياضة بينها وبين عباداتها الواجبة من صوم وصلاة في أوقاتها المشروعة، وإلا كانت حراماً لأجل ما تسببت به من إخلال، وألا تعود الرياضة عليها بآثار مُخلة بأداء واجباتها، ومتى تسببت الرياضة في تقصيرها فيما عليها من حقوق أصلية : حرم عليها التفريط بما هو أهم وأوجب، أن تكون المرأة في مأمنٍ منذ مغادرتها منزلها حتى عودتها، خصوصاً:

في مكان مزاولة الرياضة، ولا يجوز لها ذلك متى خافت المرأة تعرضها لما يضرها في نفسها أو في عرضها.

 ويضيف الشيخ ناصر بن داود أنه بتطبيق هذه الشروط على الرياضات البدنية المعاصرة لا نجد محظوراً في رياضات: الكرة الطائرة، والسلة، وكرة الطاولة، والتنس الأرضي، والجري، وركوب الخيل، والسباحة، والتجديف، والرمي بجميع أنواع السلاح الفردي، إلا أنه استدرك بأنه لا ينبغي للأبكار - دون الثيبات - ممارسة رياضات القفز والمصارعة بأنواعها؛ لخطرها على غشاء البكارة.

 ويرى أنه لا يسوغ للمرأة أياً كان سنها ممارسة رياضة الملاكمة، ولا سباق السيارات والدراجات، ولا تسلق الجبال، ولا حمل الأثقال؛ لخشونة تلك الرياضات، وما فيها من مجانبة طبيعة المرأة، ولأن فيها أضراراً مؤكدة بها، وما لم أذكره هنا يقاس على أقرب الرياضات شبهاً بها.

 ومن تلك الشروط: نعلم يقيناً أن المراكز الرياضية النسائية البحتة خير للمرأة من الفلوات والصحاري والميادين والطرقات العامة؛ بشرط إشراف الدولة عليها، وإحاطتها برقابة دوريات الأمن العام وهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الخارج، ورقابة الأمن النسائي من الداخل، وبشرط سن العقوبات الرادعة تجاه أي إخلالٍ بأعراض الناس.

 وأما ممارسة المرأة المشي في الميادين العامة المفتوحة للرجال والنساء : فلا حرج فيه ؛ ما دامت المرأة آمنة على نفسها وعرضها من الفسقة والمجرمين، وبشرط التزامها بحشمتها أثناء مشيها.