أصبحت " غزة " هي العنوان الرئيسي لأزمة طويلة وغير مسبوقة في العلاقات التركية الإسرائيلية امتدت حتى الآن لما يقرب من العامين ، منذ المشهد الصارخ للمشادة بين رئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان والرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز في إحدى جلسات منتدى دافوس في مطلع العام الماضي بحضور الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون والأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى ، والتي كانت تدور حول :" السلام في الشرق الأوسط .. غزة نموذجا ".

    في ذاك اليوم ، 31 يناير 2009 ، استشاط إردوغان غضبا لإفساح مدير الجلسة ، الصحفي الأمريكي ، المجال لبيريز لتبرير العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة وعدم إفساح المجال له ، أي إردوغان للرد أو التعليق مما دفعه لأن يطالب بدقيقة واحدة للتعليق ، وإلى النطق بالإنجليزية التي لا يجيدها " وان مينت " ، لتترسخ أزمة في تاريخ العلاقات التركية الإسرائيلية عرفت بأزمة " وان مينت " ، بدأت عندما هب إردوغان واقفا احتجاجا على طريقة إدارة الجلسة وصاح في وجه بيريز قائلا"إنكم تعرفون كيف تقتلون الأطفال" ، وأعلن أنه لن يحضر منتدى دافوس بعد ذلك لأنه تحول إلى منتدى للأقوياء ، وبالفعل لم يحضر المنتدى هذا العام رغم إلحاح منظميه في دعوته للحضور .

     وعلى الرغم من اعتذار بيريز ، والمحاولات الإسرائيلية المتتابعة لإزالة آثار هذا الموقف ، باتت العلاقات التركية منذ تلك اللحظة في أزمة حقيقية تصعد أحيانا وتهبط أخرى إلا أن نيرانها بقيت دائما تحت الرماد ، تتأجج دائما عندما يتعلق الأمر بغزة ، لتصبح " غزة " ، ومن المنظور الإنساني عنوانا لكل توتر في العلاقات بين تركيا وإسرائيل ، بداية من أزمة " وان مينت " في دافوس وحتى الهجوم الإسرائيلي على سفن " أسطول الحرية لغزة  .

   وتواصلت الأزمات بين تركيا وإسرائيل " تحت عنوان غزة " وبسبب المأساة الإنسانية الناجمة عن الحصار الإسرائيلي لسكانها ومحاولات منع وصول أي نوع من المساعدات إليهم ، ولم يتغير موقف أنقرة منذ مشادة دافوس ، وبدأت فصول الشد والجذب في العلاقات التركية الإسرائيلية .

   ووجهت تركيا إنذارا جديدا لإسرائيل عندما علقت الشق الدولي من مناورة نسر الأناضول في أكتوبر الماضي ، والتي اعتادت إسرائيل على المشاركة فيها منذ بدئها تحت مظلة حلف الناتو في عام 2001 لتدريب طياريها في أجواء مدينة كونيا بوسط تركيا .

   واتخذت تركيا موقفا متشددا في صفقة طائرات هيرون الإسرائيلية بدون طيار التي تلكأت من قبل في تسليمها لتركيا ، ورضخت إسرائيل لمطالب تركيا بالإسراع في تسليم الطائرات وإلا طبقت تركيا الشرط الجزائي في عقد الصفقة .

    وزارت عدة وفود عسكرية إسرائيلية تركيا في محاولة للحفاظ على الجانب الأبرز في العلاقات مع تركيا وهو التعاون العسكري ، كما زار وزير العمل والبنية التحتية بنيامين بن أليعازر تركيا وتبعه إيهود باراك في فترات مختلفة شهدت تصعيدا للتوتر بين تركيا وإسرائيل .

   وجاءت زيارة بن أليعازر ، المعروف في إسرائيل وتركيا بصديق الأتراك ، عقب أزمة حادة افتعلها وزير الخارجية المتطرف أفيجدور ليبرمان وفريقه في وزارة الخارجية ، وقادها نائبه داني أيالون الذي تعمد توجيه إهانة إلى السفير التركي في تل أبيب أوجوز شليكول في الأزمة التي عرفت في تركيا باسم " أزمة المقعد المنخفض " حيث أجلس أيالون السفير التركي على مقعد منخفض وجلس وبعض مساعديه على مقاعد أعلى منه ، وانتهت هذه الأزمة باعتذار مذل من جانب إسرائيل لتركيا .

    وكانت هذه الأزمة تواكبت مع افتعال إسرائيل لتوترات أخرى بسبب مسلسل تلفزيوني باسم " الفراق " يدور حول الممارسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين وعرضه التلفزيون الرسمي التركي وما سبق ذلك من احتجاج على مسلسل وادي الذئاب " بزعم الإساءة لصورة المخابرات الإسرائيلية وتصوير عملائها على أنهم سفاحون وقتلة اطفال.

    وشهد الأسبوع الماضي آخر التصرفات " المكشوفة " من جانب إسرائيل للانتقام من تركيا بسبب موقف حكومة إردوغان من الماساة التي تعيشها غزة ، والقائم في الأساس على اعتبارات إنسانية عندما صوت مندوب إسرائيل في اللجنة التنفيذية لاتحاد كرة القدم الأوروبي ضد استضافة تركيا لبطولة كأس الأمم الأوروبية " يورو 2016 " ليرجح كفة فرنسا ضد تركيا .

    وخلال ما يقرب من عامين لم تتوقف محاولات إسرائيل لإصلاح مسار العلاقات مع تركيا ، إلا أن تركيا كانت خلال هذه الفترة وحتى الآن ، ترى أن ما يحدث في غزة لا يمكن السكوت عليه أو التحلي بالصمت تجاهه .