بـ"ثمن بخس"، استطاع نادي "السيلية" القطري تحويل مسار موهبة "مصرية" ترعرعت وصقلت في الملاعب السعودية، دون أن تستفيد منه هذه الأخيرة أو تستثمره في أحد نواديها، متحولة إلى ما يشبه البيئة المعدة للنجوم، إلا أنهم نجوم يتألقون في سماء أخرى خارج حدودها!.

الموهبة "ميدو"

الأمثلة متعددة، ولعل من أبرزها، أحمد أيمن جاسر، الفتى الموهوب كرويا، والملقب بـ"ميدو"، والذي تنافست عليه 4 من أعرق أندية الخليج، وهي: "المحرق والرفاع البحرينيان إضافة إلى السد والسيلية القطريين. وذلك في ظل غفلة من الأندية السعودية التي تنفق مئات الملايين على لاعبين "منتهية صلاحيتهم" في أوروبا، والبرازيل، فيما تغفل عن اللاعبين الصغار المتميزين، والذين نشأوا على أرضها، وهي بذلك تفقد قدراتهم، وتثقل كاهل خزائنها في آن معا، وهو ما حصل مع نادي "القادسية" الذي نشأ وترعرع فيه "ميدو"، والذي قد يصبح في يوم من الأيام علامة مضيئة في سماء الكرة الخليجية.

بداية مبكرة

تفاصيل القصة لابن الـ13 ربيعا، أحمد جاسر تعود إلى انضمام هذا اللاعب إلى براعم نادي "القادسية"، وهو في سن الـ8 أعوام تحت إشراف المدرب الوطني خالد المبارك، والمصري عبدالسميع فرج، وبقي في النادي الشرقي الذي اشتهر بصقل المواهب ونجوم الكرة السعودية حتى سن الـ12، وهي السن التي جعلته يمارس التمارين بدون أن يلعب مباريات رسمية مع "القادسية". وذلك لأن الجنسية تقف حائلا دون مشاركته لزملائه اللاعبين في المباريات الرسمية!.

تنافس خليجي

في الوقت الذي لم يستطع فيه "ميدو" اللعب مع زملائه في المباريات الرسمية انضم إلى أكاديمية "مواهب" التي تتبع لعضو شرف "القادسية" محمد النهدي لمدة سنة ونصف لتبدأ بعدها الأندية البحرينية تبحث عن اللاعب، حيث تنافس عليه ناديا المحرق والرفاع، أغرياه بمنحه الجنسية البحرينية. وذلك بعد التقرير السري الذي أوصت به "لجنة المنتخبات" في البحرين، حيث طالبت بضرورة منح اللاعب الجنسية نظرا للإمكانيات الكبيرة التي يتمتع بها. وكان التقرير قد أعد من قبل المدرب البحريني فهد الدوسري، حيث كان يرغب في ضم اللاعب في بطولة غرب آسيا للناشئين، وهو ما أحدث أزمة كبيرة بين ناديي المحرق والرفاع ليتعطل تسجيل اللاعب لعدة أسابيع.

قطر تحول المسار

هذا التوقف استغل من قبل مسؤولي الكرة القطرية، حيث استدعي اللاعب إلى قطر بشكل سريع ليتنافس عليه ناديا السد والسيلية، حيث اشتد التنافس بين الناديين لكسب خدمات "ميدو". وبعد العرض المرضي الذي قدم إلى اللاعب ووالده، ضمه السيلية، ومنحه الجنسية القطرية، كما وقع معه عقدا يعتبر العرض الأول في منطقة الخليج الذي يقدم إلى لاعب في عمر الـ13 عاما، حيث كانت مدة العقد 5 سنوات بمقدم مالي وصل إلى ربع مليون ريال (250 ألف ريال قطري)، وراتب شهري 4 آلاف ريال قطري، مع توفير السكن، والمواصلات، والتأمين الصحي للاعب. وذلك بالمركز الطبي التخصصي لأكاديمية "إسباير"، إضافة إلى التعليم المجاني.

الدوحة مجددا

والد اللاعب أيمن جاسر، أكد أن ابنه "يمتلك موهبة كبيرة، صقلت في نادي القادسية بالخبر، ولكن ظروف الجنسية جعلته يتحول إلى نادي السيلية في قطر، كما ساعده في ذلك أنه من مواليد الدوحة"، مضيفا: "كنت أتمنى أن يكون ابني أحد أفراد أي ناد سعودي، وذلك لقوة المنافسة في الدوري السعودي، ولكن قدر الله وما شاء فعل". مشيرا في ذات الوقت إلى أن "تسجيل اللاعب في ناد كبير كالسيلية يعتبر البداية الفعلية ـ بإذن الله ـ في بزوغ نجمه في عالم الاحتراف".

القرار لاتحاد الكرة

تجربة "ميدو" ما هي إلا نموذج، وهنالك أسماء أخرى غيره قد تفقدها الملاعب السعودية، الأمر الذي دفعنا للاتجاه بالسؤال إلى وكيل الرئيس العام لرعاية الشباب، رئيس لجنة الاحتراف بالاتحاد السعودي، الدكتور صالح بن ناصر، الذي أوضح بقوله: "دور لجنة الاحتراف يأتي في المقام الثاني، حيث يجب أن يتخذ قرار تنظيمي من اتحاد كرة القدم السعودي، بالتعاون مع الجهات المختصة حول هذه المواهب، ومن ثم يأتي بعد ذلك دور لجنة الاحتراف في وضع مواد تنظيمية ضمن مواد لائحة الاحتراف السعودي تتقيد بها الأندية وهولاء اللاعبون".

مواهب في "الحواري"!

من جهته، ناشد مدير مكتب "العلاقات الرقمية للتسويق الرياضي"، وكيل التعاقدات المعتمد من "فيفا"، أحمد القحطاني الرئيس العام لرعاية الشباب، الأمير سلطان بن فهد بـ"حل هذه القضية، والتي ذهبت ضحيتها مواهب تعتبر من خيرة اللاعبين، إما بالتسرب لأندية خليجية مجاورة تعطيهم الجنسية بطريقة سرية، أو ببقاء هذه المواهب في الحواري حتى تنتهي". وأشار القحطاني إلى أنه يوجد لديه "أكثر من 17 لاعبا يعتبرون من أفضل مواهب الحواري في الرياض يطالبون بتسجيلهم في أي ناد خليجي رغم أنهم من مواليد السعودية". موضحا أن "هناك لاعبا يدعى أنس الفقيه، يمني الجنسية (19 عاما) مطلوب من كافة الأندية القطرية، حيث يعتبر من أبرز صانعي الألعاب في ملاعب الحواري السعودية، وكافة أندية السعودية تعرف عنه ولكن الموضوع ليس في يدها"!.

حلول مقترحة

لكن ماذا عن الحلول الممكنة، لكي لا يتم هدر هذه النجوم وتسربها إلى الملاعب الخارجية؟ يجيب أحمد القحطاني قائلا: "الحل يكمن في تشكيل لجنة من الرئاسة العامة لرعاية الشباب، ووزارة الداخلية ممثلة في وكالة الأحوال المدنية لإصدار نظام لهذه الفئة". واختتم القحطاني حديثه بالتذكير بـ"منتخب فرنسا الذي حقق كأس العالم عام 1998، والذي كان معظم لاعبيه قد تم منحهم الجنسية الفرنسية. كما أن معظم اللاعبين الأمريكيين في الألعاب الأولمبية، والذين يحققون الذهب لأمريكا هم من أصول أفريقية أو آسيوية وتم منحهم الجنسية الأمريكية"، وهو الحل الذي يراه مناسبا بحسب رأيه.

وضع حد للتسرب

مدير أكاديمية "مواهب" محمد النهدي طالب "الرئاسة العامة لرعاية الشباب"، بـ"وضع نظام للمحافظة على هذه المواهب، التي تتوزعها الأندية الخليجية، بعد أن تتم صناعتها في الأندية السعودية رغم أنهم من مواليد البلد، ومتعلمون في مدارسها، ولا يعرفون من بلدان آبائهم وأجدادهم سوى الاسم". النهدي ضرب مثالا بأحمد جاسر "ميدو". معتبرا إياه "من المواهب التي ينتظرها مستقبل كبير"، مشيرا إلى أنه "طوال فترة تدريبه في الأكاديمية كان على خلق رفيع، ومستوى مميز، وهو ما جعل الأندية الخليجية تتنافس عليه". كاشفا عن أن هناك أناسا آخرين غير "ميدو"، وأنه "ليس الموهبة الوحيدة بل هناك 3 مواهب ينتظرها مستقبل كبير موجودة وتتدرب في أكاديمية مواهب بشكل يومي، وهي مطلوبة من أندية إماراتية. وذلك نظير منحهم الجنسية الإماراتية".


 



                                                                                                                              "ميدو" يتسلم جائزته من ماجد عبدالله